<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
<BLOCKQUOTE>
تمثال العراق
</BLOCKQUOTE></BLOCKQUOTE></BLOCKQUOTE></BLOCKQUOTE></BLOCKQUOTE>
أفتُتح في إحدى ساحات بغداد تمثال لرجل يمثل العراق, وما إن رآه الناس حتى قالوا إن هذا التمثال لا يمثل العراق, وقرروا في اليوم الثاني ان يصححوا ما فيه من أخطاء. فجاؤوا من جميع الجهات يحملون لافتات وفؤوساً ومطارق.
فسألهم حارس التمثال: ما الذي ستفعلون به؟
_ قالوا: جئنا لنصحح خطأ فيه, لأنه لو بقي على هذه الحال, لما مثّل العراق
_ الحارس: من قال إنه لا يمثل العراق؟
_ قالوا: معنا مؤرخونا وعلماؤنا ومثقفونا وفنانونا يثبتون ذلك. ولن نحطمه, بل نصحح ما فيه من خطأ.
_ الحارس: لكنني عراقي أيضاً, وأراه يمثل العراق.
_ قالوا: من أنت أمام كل من ترى؟ أنت حارس التمثال وحسب, ستبقى حارساً له بعد تعديله, وليس لك أن ترفض, ألا ترى الفؤوس والمطارق...؟
_ قالت جماعة: سنعدل قدمه اليسرى لأنها ترمز, بحسب ما نرى, إلى نهر الفرات, وبما أن ساقيه ترمزان إلى دجلة والفرات, فإننا سنصحح وقفته بحيث تكون متساوية. فمن ذا الذي جعله يقف ثابتاً على نهر دجلة ولا يقف بثبات على الفرات؟ فعدّلوا وقفته بعد أن فصلوا قدمه من ساقه.
_ قالت جماعة أخرى: إنه أسمر اللون, ولا بد من تغيير لونه. من قال إن العراقيين جميعاً سُمر لا بيض؟ إن تصحيحنا بسيط, سنطلي جانباً منه بالأبيض والآخر يبقى كما هو لتحقيق العدالة.
_ الحارس: ألا تأخذون بالحسبان المادة التي صُنع منها؟ أترى لو كان مصنوعاً من الذهب, فهل تطلون الذهب بالأبيض؟
_ قالوا: أما قلنا لك إنك حارس؟ فلا تتكلم كثيراً عما لا يعنيك!
_ إنه ينظر إلى الصحراء, لماذا لا ينظر إلى الجبال؟ من قال إن الصحراء في العراق أهم من الجبال؟ فكسروا رأسه وجعلوه يتجه إلى الجبال.
_ إن رأسه آريّ. فلنجعله ساميّا, فهذا أصدق تعبيراً.
_ إنه يلبس ملابس لا تمتّ بِصِلة إلى الملابس التقليدية في العراق, لذا وجبت تعريته من ملابسه, فكسروا ملابسه.
_ إن أصابعه تشبه سعف النخيل. متى كانت النخلة تمثلنا جميعاً؟ فلنقطع أصابعه.
_ لا يجمُل به أن يكون بلا ملابس, وما معنى أن يكون العراق عارياً؟ فرموا عليه عباءة. ونزعها آخرون لأن العباءة لا تمثل العراق كله.
_ يجب أن يفصل رأسه عن جسمه, لأنه يبدو كإله من الآلهة القديمة. فهل هو دعوة لعبادة الاصنام ثانية؟ فلو قطعنا رأسه ما عاد يشبه الأصنام. فقطعوا رأسه.
وإذا به بعد كل هذه التعديلات كومة أحجار رآها الجميع فقالوا: أين تمثال العراق؟! ألا يوجد نحّات عظيم ينحت تمثالاً يمثل العراق؟ فاتفقوا جميعاً على نحت تمثال جديد للعراق, ومعهم مؤرخوهم وعلماؤهم ومثقفوهم وفنانوهم, على أن لا يكون طويلاً أو قصيراً أو أبيض أو أسمر أو واقفاً أو جالساً أو متجهاً برأسه نحو أي جهة من الجهات أو ..., المهم في كل هذا أنهم متفقون !